responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 214
تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ أَوْ السَّلَامَ وَاعْتِقَادَ نِيَّةِ الْفَرِيضَةِ

وَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ فَلَا يَثْبُتُ بَعْدَ سَلَامِهِ، وَلْيَنْصَرِفْ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلِّهِ فَذَلِكَ وَاسِعٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQمِمَّا يَحْمِلُهُ الْإِمَامُ لِأَجْلِ قَوْلِهِ: (إلَّا) نَحْوَ (رَكْعَةٍ أَوْ سَجْدَةٍ) أَوْ رُكُوعٍ أَوْ طُمَأْنِينَةٍ. (أَوْ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ أَوْ السَّلَامَ أَوْ اعْتِقَادَ نِيَّةِ الْفَرِيضَةِ) فَإِنَّ الْإِمَامَ لَا يَحْمِلُ شَيْئًا مِنْهَا عَنْ الْمَأْمُومِ لِأَنَّهَا فَرَائِضُ، وَالْإِمَامُ إنَّمَا يَحْمِلُ عَنْ الْمَأْمُومِ مَا يَسْجُدُ لِأَجْلِهِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ اعْتِقَادَ نِيَّةِ الْفَرِيضَةِ قَالَ التَّادَلِيُّ: الصَّوَابُ حَذْفُ لَفْظِ اعْتِقَادِ الَّذِي هُوَ الْعَزْمُ عَلَى الشَّيْءِ وَالتَّصْمِيمُ عَلَيْهِ، وَالنِّيَّةُ هِيَ إرَادَةُ الْفِعْلِ. وَهِيَ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ الْعَزْمِ، وَالْعَزْمُ سَابِقٌ عَلَيْهَا، وَلِي فِي هَذَا الْكَلَامِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُمْ عَرَّفُوا النِّيَّةَ بِأَنَّهَا الْعَزْمُ عَلَى الشَّيْءِ مُقْتَرِنًا بِفِعْلِهِ، فَلَعَلَّ إضَافَةَ اعْتِقَادِ إلَى نِيَّةٍ بَيَانِيَّةٌ أَيْ اعْتِقَادٌ هُوَ نِيَّةُ الْفَرِيضَةِ.

(وَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ) مِنْ الصَّلَاةِ (فَلَا يَثْبُتُ بَعْدَ سَلَامِهِ) وَفَسَّرَ عَدَمَ الثُّبُوتِ بِقَوْلِهِ: (وَلْيَنْصَرِفْ) مِنْ مِحْرَابِهِ نَدْبًا.
قَالَ خَلِيلٌ: وَكُرِهَ تَنَفُّلُهُ بِمِحْرَابِهِ، وَقَالَ شَارِحُهُ: وَكَذَا جُلُوسُهُ عَلَى هَيْئَتِهِ فِي الْمِحْرَابِ مِنْ غَيْرِ تَنَفُّلٍ، وَإِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ الْكَرَاهَةِ بِانْصِرَافٍ أَوْ تَغْيِيرِ هَيْئَتِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا فِي صَلَاتِهِ، بَلْ هَذَا أَوْلَى مِنْ الِانْصِرَافِ لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الِانْصِرَافَ سَرِيعًا مِنْ التَّشْدِيدِ فِي الدِّينِ، وَإِنَّمَا طُلِبَ مِنْ الْإِمَامِ الِانْصِرَافُ بَعْدَ سَلَامِهِ لِئَلَّا يَتَوَهَّمَ الدَّاخِلُ أَنَّهُ فِي صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ التَّعَالِيلِ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَنْصَرِفُ قَبْلَ الذِّكْرِ الْمَطْلُوبِ عَقِبَ الْفَرِيضَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَأْتِي بِهِ بَعْدَ انْصِرَافِهِ أَوْ تَغْيِيرِ هَيْئَتِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَنْدُبُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُغَيِّرَ حَالَتَهُ بَعْدَ السَّلَامِ إمَّا بِالِانْصِرَافِ أَوْ تَغْيِيرِ هَيْئَتِهِ بِأَنْ يَتَحَوَّلَ إلَى أَيِّ جِهَةٍ شَاءَ، إمَّا إلَى جِهَةِ الْيَمِينِ أَوْ الشِّمَالِ كَمَا قَالَ مَالِكٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ التَّلْبِيسُ عَلَى الدَّاخِلِ، وَإِمَّا بِالِانْصِرَافِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ تَطْرُقُ الْعَجَبَ إلَيْهِ أَوْ الرِّيَاءَ، فَقَدْ نَقَلَ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا كَانَا إذَا سَلَّمَا يَنْهَضَانِ مِنْ الْمِحْرَابِ نَهْضَةَ الْبَعِيرِ الْهَائِجِ مِنْ عِقَالِهِ، وَقَالَ الثَّعَالِبِيُّ: وَمَا قَالَهُ مَالِكٌ مِنْ أَنَّهُ يَتَحَوَّلُ إلَى أَيِّ جِهَةٍ هُوَ السُّنَّةُ، وَنَحْوُهُ لِابْنِ أَبِي جَمْرَةَ وَصَاحِبِ الْمَدْخَلِ لَا انْصِرَافُهُ جُمْلَةً مِنْ مَحَلِّهِ، فَإِنَّ هَذَا فِعْلُ أَهْلِ التَّشْدِيدِ فِي الدِّينِ حَتَّى يَقُومَ الرَّجُلُ سَرِيعًا كَأَنَّمَا ضُرِبَ بِشَيْءٍ يُؤْلِمُهُ، وَيَفُوتُهُ بِذَلِكَ خَيْرُ اسْتِغْفَارِ الْمَلَائِكَةِ لَهُ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ، يَقُولُونَ لَهُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ. قُلْت: وَفِي هَذَا نَوْعُ مُخَالَفَةٍ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ الْمَنْقُولِ عَنْ مُسْلِمٍ، وَاَلَّذِي تَرْكَنُ إلَيْهِ النَّفْسُ مَا قَالَهُ الثَّعَالِبِيُّ عَنْ مَالِكٍ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ وَصَاحِبُ الْمَدْخَلِ؛ لِأَنَّ التَّرَاخِيَ الْيَسِيرَ مُغْتَفَرٌ فِي الْعُقُودِ الَّتِي تُطْلَبُ فِيهَا الْفَوْرِيَّةُ فَأَوْلَى هَذَا؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ السَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا يَنْصَرِفُ الْإِمَامُ بَعْدَ مُكْثِهِ مُدَّةً لَطِيفَةً بِقَدْرِ مَا يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْك السَّلَامُ وَإِلَيْك يَرْجِعُ السَّلَامُ تَبَارَكْت وَتَعَالَيْت يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ.
وَلَمَّا عَلَّلَ بَعْضُ الشُّيُوخِ طَلَبَ الِانْصِرَافِ بِزَوَالِ اسْتِحْقَاقِهِ لِمَحَلِّ صَلَاتِهِ بِفَرَاغِهِ مِنْ الصَّلَاةِ قَالَ: (إلَّا أَنْ يَكُونَ) ذَلِكَ الْإِمَامُ صَلَّى (فِي مَحَلِّهِ) الْمَمْلُوكِ لَهُ أَوْ فِي الصَّحْرَاءِ (فَذَلِكَ) أَيْ جُلُوسُهُ فِي مَحَلِّ صَلَاتِهِ (وَاسِعٌ) أَيْ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ لِانْتِفَاءِ الْعِلَلِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلِانْصِرَافِ أَوْ تَحَوُّلِهِ مِنْ مَحَلِّ صَلَاتِهِ.
1 -
(خَاتِمَةٌ) : قَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ صِفَةِ الْعَمَلِ فِي الصَّلَاةِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ بِأَثَرِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ الذِّكْرُ، وَأَمَّا الِاشْتِغَالُ بِالدُّعَاءِ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّهُ بِدْعَةٌ لَمْ يَرِدْ بِهِ عَمَلٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَنْ السَّلَفِ الصَّالِحِ، وَلِذَا قَالَ الْقَرَافِيُّ: كَرِهَ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ لِأَئِمَّةِ الْمَسَاجِدِ وَالْجَمَاعَاتِ الدُّعَاءَ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ جَهْرًا لِلْحَاضِرِينَ، فَيَحْصُلُ لِلْإِمَامِ بِذَلِكَ نَوْعٌ مِنْ الْعَظَمَةِ بِسَبَبِ نَصْبِ نَفْسِهِ وَاسِطَةً بَيْنَ الرَّبِّ وَعَبْدِهِ مِنْ تَحْصِيلِ مَصَالِحِهِمْ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ الدُّعَاءِ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ نَاجِي: قُلْت وَقَدْ اسْتَمَرَّ الْعَمَلُ عَلَى جَوَازِهِ عِنْدَنَا بِإِفْرِيقِيَّةَ، وَكَانَ بَعْضُ مَنْ لَقِيته يُصَرِّحُ بِأَنَّ الدُّعَاءَ وَرَدَ الْحَثُّ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ.
قَالَ تَعَالَى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ فَلِذَا صَارَ تَابِعًا فِعْلَهُ بَلْ الْغَالِبُ عَلَى مَنْ يُنَصِّبُ نَفْسَهُ لِذَلِكَ التَّوَاضُعِ وَالرِّقَّةِ فَلَا يُهْمَلُ أَمْرُهُ بَلْ يُفْعَلُ، وَمَا كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، بَلْ هُوَ مِنْ الْبِدَعِ الْحَسَنَةِ، وَالِاجْتِمَاعُ فِيهِ يُورِثُ الِاجْتِهَادَ فِيهِ وَالنَّشَاطَ، وَأَقُولُ: طَلَبُ ذَلِكَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ وَنَحْوِهِ شَاهِدُ صِدْقٍ فِيمَا ارْتَضَاهُ ابْنُ نَاجِي.
قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَقَدْ انْتَهَى رُبْعُ الرِّسَالَةِ أَعَانَنَا اللَّهُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ عَلَى بَاقِيهَا.

[بَاب جَامِع فِي الصَّلَاة]
ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّبْعِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ:

اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 214
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست